الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{هُزُوًا أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ مِّن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ولا يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئًا ولا مَا}.جيء باسم الإشارة للتنبيه على أن ما ذكر من الأوصاف من قوله تعالى: {لكل أفاك أثيم} إلى قوله: {هزؤًا} على أن المشار إليهم أحرياء بهِ لأجْللِ ما قبل اسم الإشارة من الأوصاف.وجملة {من ورائهم} بيان لجملة {لهم عذاب مهين}.وفي قوله: {من ورائهم} تحقيق لحصو ل العذاب وكونه قريبًا منهم وأنهم غافلون عن اقترابه كغفلة المرء عن عدويتبعه من ورائه ليأخذه فإذا نظر إلى أمامه حسب نفسه امنًا.ففي الوراء استعارة تمثيلية للاقتراب والغفلة. ومنه قوله تعالى: {وكان وراءهم مَلِك يأخذ كلّ سفينة غصبًا} [الكهف: 79]. وقول لبيد:
ومن فسر وراء بقُدّام. فما رعَى حق الكلام.وعطف جملة {ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئًا} على جملة {من ورائهم جهنم} لأن ذلك من جملة العذاب المهين فإن فقدان الفداء وفقدان الولي مما يزيد العذاب شدة ويكسب المعاقب إهانة.ومعنى الإغناء في قوله: {ولا يغني عنهم} الكفاية والنفع. أي لا ينفعهم.وعُدي بحرف (عن) لتضمينه معنى يدفع فكأنَّه عُبّر بفعلين لا يغنيهم وبالدفع عنهم. وتقدم في قوله: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا} في سورة ال عمران (10).و{ما كسبوا}: أموالهم.و{شيئًا} منصوب على المفعولية المطلقة. أي شيئًا من الإغناء لأن {شيئًا} من أسماء الأجناسسِ العاليةِ فهو مفسر بما وقع قبله أوبعده. وتنكيره للتقليل. أي لا يدفع عنهم ولوقليلًا من جهنم. أي عذابها.{ولا ما اتخذوا} عطف على {ما كسبوا} وأعيد حرف النفي للتأكيد. و{أولياء} مفعول ثان لـ: {اتخذوا}.وحذف مفعوله الأول وهو ضميرهم لوقوعه في حيز الصلة فإن حذف مثله في الصلة كثير.وأردف {عذاب مهين} بعطف {ولهم عذاب عظيم} لإفادة أن لهم عذابًا غير ذلك وهو عذاب الدنيا بالقتل والأسر. فالعذاب الذي في قوله: {ولهم عذاب عظيم} غير العذاب الذي في قوله: {أولئك لهم عذاب مهين}.{هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بآيات رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}.جملة {هذا هدى} استئناف ابتدائي انتُقل به من وصف القرآن في ذاته بأنه منزل من الله وأنه من آيات الله إلى وصفه بأفضل صفاته بأنه هدى. فالإشارة بقوله: {هذا} إلى القرآن الذي هو في حال النزول وَالتِلاوةِ فهو كالشيء المشاهد. ولأنه قد سبق من أوصافه من قوله: {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} [الجاثية: 2] وقوله: {تلك آيات الله} [الجاثية: 6] إلى آخِره ما صيره متميزًا شخصًا بِحسن الإشارة إليه.ووصف القرآن بأنه {هدى} من الوصف بالمصدر للمبالغة. أي: هاد للناس. فمن امن فقد اهتدى ومن كفر به فله عذاب لأنه حَرَمَ نفسه من الهدى فكان في الضلال وارتبق في المفاسد والاثام.فجملة {والذين كفروا} عطف على جملة {هذا هدى} والمناسبة أن القرآن من جملة آيات الله وأنه مذكِّر بها. فالذين كفروا بآيات الله كفروا بالقرآن في عموم الآيات. وهذا واقع موقع التذييل لما تقدمه ابتداء من قوله: {ويل لكل أفاك أثيم} [الجاثية: 7].وجيء بالموصول وصلته لما تشعر به الصلة من أنهم حقيقون بالعقاب.واستُحْضِروا في هذا المقام بعنوان الكُفر دون عنواني الإصرار والاستكبار اللذين استحضروا بهما في قوله: {ثم يُصِرّ مستكبرًا} [الجاثية: 8] لأن الغرض هنا النعي عليهم إهمالهم الأنتفاع بالقرآن وهو النعمة العظمى التي جاءتهم من الله فقابلوها بالكفران عوضًا عن الشكر. كما جاء في قوله تعالى: {وتجعلون رزقكم أنكم تكذّبون} [الواقعة: 82].والرجز: أشد العذاب. قال تعالى: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا من السماء بما كانوا يَفْسُقون} [البقرة: 59].ويجوز أن يكون حرف {مِن} للبيان فالعذاب هو الرجز ويجوز أن يكون للتبعيض. أي عذاب مما يسمى بالرجز وهو أشده.و{أليم} يجوز أن يكون وصفًا لـ: {عذاب} فيكون مرفوعًا وكذلك قرأه الجمهور.ويجوز أن يكون وصفًا لـ: {رجزٍ} فيكون مجرورًا كما قرأه ابن كثير وحفص عن عاصم. اهـ.
|